معارك غيرت مجرى التاريخ الإسلامي - موقعة عين جالوت

12:58 ص
موقعة عين جالوت 27 رمضان 658هـ :
اتفق وقوع هذا كله في العشر الأخير من رمضان من هذه السنة، فما مضت سوى ثلاثة أيام حتى جاءت البشارة بنصرة المسلمين على التتار بعين جالوت ولله الحمد، وذلك أن الملك المظفر قطز صاحب مصر لما بلغه أن التتار قد فعلوا بالشام ما ذكرنا، وقد نهبوا البلاد كلها حتى وصلوا إلى غزة وقد عزموا على الدخول إلى الديار المصرية وقد عزم الملك الناصر صاحب دمشق على الرحيل إلى مصر وليته فعل. وكان في صحبته الملك المنصور صاحب حماة، وخلق من الأمراء وأبناء الملوك، وقد وصل إلى قطية، وتهيأ الملك المظفر للقائه وأرسل إليه وإلى المنصور مستحثين ،وأرسل إليه يقول : تقدم حتى نكون كتفا واحدا على التتار.
فتخيل من ذلك وخاف أن ينتصر عليه ، فكر راجعا .. وما زال التتار وراء الناصر حتى أخذوه وأسروه عند بركة زيزاء وأرسلوه مع ولده العزيز وهو صغير وأخيه إلى ملكهم هولاكو وهو نازل على حلب فكانوا في أسره حتى قتلهم في السنة الآتية.
والمقصود أن المظفر لما بلغه ما كان من أمر التتار بالشام المحروسة وأنهم عازمون على الدخول إلى الديار المصرية بعد تمهيد مملكتهم بالشام بادرهم هو قبل أن يبادروه وبرز إليهم أيده الله تعالى وأقدم عليهم قبل أن يقدموا عليه فخرج بالعساكر المصرية وقد اجتمعت الكلمة عليه، حتى انتهى بمن معه من العساكر المنصورة إلى الشام واستيقظ له عسكر المغول وعليهم كتبغانوين وكان إذ ذاك في البقاع فاستشار الأشرف صاحب حمص والقاضي مجير الدين بن الزكي في لقاء المظفر فأشاروا بعضهم بأنه لا قبل له بالمظفر حتى يستمد هولاكو فأبى إلا أن يناجزه سريعا فصمدوا إليه فكان اجتماعهم على عين جالوت يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان فاقتتلوا قتالا عظيما شديدا فكانت النصرة ولله الحمد للإسلام وأهله فهزمهم المسلمون هزيمة هائلة وقتل كتبغانوين وجماعة من بيته وقد قيل: إن الذي قتل كتبغانوين الأمير جمال الدين آقوش الشمسي واتبعهم الجيش الإسلامي يقتلونهم في كل موضع وفي كل مأزق ، وقد قاتل الملك المنصور صاحب حماة مع الملك المظفر في هذه الوقعة قتالا عظيما وكذلك الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب، وكان أتابك العسكر وقد أسر من جماعة كتبغانوين الملك السعيد بن العزيز بن العادل فأمر المظفر بضرب عنقه واستأمن الأشرف صاحب حمص وكان مع التتار، وقد جعله هولاكو نائبا على الشام كله فأمنه الملك المظفر ورد إليه حمص وكذلك رد حماة إلى المنصور وزاده المعرة وغيرها وأطلق سلمية للأمير شرف الدين عيسى بن مهنا بن مانع أمير العرب، واتبع الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري وجماعة من الشجعان التتار يقتلونهم في كل مكان، إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب وهرب من بدمشق منهم وكان هروبهم منها يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان صبيحة النصر الذي جاءت فيه البشارة بالنصرة على عين جالوت فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون ويأسرون وينهبون الأموال فيهم، ويستفكون الأسارى من أيديهم قهرا ولله الحمد والمنن على جبره الإسلام ومعاملته إياهم بلطفة الحسن.
ولما كسر الملك المظفر قطز عساكر التتار بعين جالوت ساق وراءهم ودخل دمشق في أبهة عظيمة، وفرح الناس به فرحا شديدا ودعوا له دعاء كثيرا وأقر صاحب حمص الملك الأشرف على بلده وكذلك المنصور صاحب حماه واسترد حلب أيضا من أيدي التتار.

0 التعليقات