معارك غيرت مجرى التاريخ الإسلامي - موقعة القادسية

12:46 ص

9- موقعة القادسية 14 ه
المسلمـون بقيـادة الصحابـي الجليل سعـد بن أبـي وقاص .. يسحقـون جيش الفـرس بقيـادة رستـم فرخـزاد في ملحمـة القادسيـة ... في واحدة من كبرى المعارك الفاصلة في التاريـخ ... و ذلك بعد أربعة أيام من القتال المتواصل ...
اهتـم أميـر المؤمنين الفاروق عمـر بن الخطاب لأمر المسلمين في العـراق بعد أن انكسروا في معركـة الجسر أمام الفرس .. و استشهد قائدهم أبو عبيـد الثقفـي .. و زاد من تحذره لخطورة الوضع في العراق .. اجتماع الفرس على ملكهم الجديد يزدجرد و التئام شملهم من جديد ...
فخرج الفاروق من المدينة و عسكر في منطقة تسمى صرار باتجاه العراق ... و هو عازم أن يتوجه للجهاد بنفسه .. و بدأ يبث الرسل في كل مكان يستنفر المسلمين للجهاد ... إلا أن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف نصحه بأن يرسل قائداً و يبقى هو في المدينة ... خشية من النتائج التي قد تترتب فيما لو انكسر المسلمون بقيادته في العراق .. على كافة بلاد الإسلام .و هو الخليفة ..
فاستحسن الصحابة الرأي و وافقه عمـر ... و استشارهم فيمن يولي على الجيش .. فقال له ابن عوف : الأسـد في براثـنه .. سعد بن مالك الزهري ... فاستحسن الفاروق الرأي و أمّر سعـداً على المسلمين ..
خرج سعد بن أبي وقاص في 4000 من المسلمين 3000 منهم من أهل اليمن و الباقي من عامة الناس .. و شيعه الفاروق حتى وصلوا لمنطقة تسمى الاعوص ... فخطب الفاروق في المسلمين و وعظهم و أرشدهم ... ثم استوصى الفاروق سعد بن أبي وقاص بوصايا عدة كان بينها :
(( انظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم عليه منذ بعث إلى أن فارقنا فالزمه .. فإنه الأمر .. هذه عظتي لك .. إن تركتها و رغبت عنها حبط عملك و كنت من الخاسرين )) ..
وصل المسلمون بقيادة سعد إلى مشارف العراق ليلتقوا بالمسلمين هناك و الذين استشهد قبل ايام قائدهم المثنى بن حارثة من جراحه يوم الجسر .. و اجتمعت إلى سعد حشود المسلمين و انصاع الكل لقيادته الموحدة ... و أمده الخليفة بالمقاتلين حتى اجتمع له يوم المعركة ما يقرب ال 30 الف مقاتل .. فيهم جل سادات العرب .. حيث قال الفاروق عمر : والله لأرمين ملوك العجم بملوك العرب ..
و كان في الجيش ما يقرب ال 300 صحابي من صحابة رسول الله .. و 700 من أبنائهم ... و ما يقرب من ال 70 صحابياً ممن شهدوا بـدراً ..
و كان أمير المؤمنين عمـر طوال فترة التجهيز للمعركة على تواصل دائم بسعد ... أمره أن ينظم الجيش و أن يكتب له واصفاً أوضاع المسلمين و العدو و ما يجري لهم و كأنه معهم .. فراحت الرسل بين العراق و المدينة تنقل الاخبار بشكل منتظم للخليفة و تضعه على عين الحال ..
و أرسل الفاروق كاتباً لسعد بعد أن أطلعه سعد على الأوضاع :
(( قد جاءني كتابك و فهتمه .. فإذا لقيت عدوك و منحك الله أدبارهم ، فإنه ألقي في روعي أنكم ستهزمونهم ، .. فلا تشُكَّنَّ في ذلك .. فإذا هزمتهم فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائـن .. فإنه خرابها إن شاء الله ... )) ..
و خلال ذلك الوقت ... أمـر ملك الفرس يزدجرد قائده رسـتم أن يخرج بالجيش لملاقاة المسلمين .. فحشد جيشاً عظيماً يزيد عن المئة الف مقاتل ... و أرسل يطلب من المسلمين رجالاً عقلاء ليفهم منهم لم أتوا بجيشهم للعراق ... فخرج إليه من أفاضل الصحابة فدعوه للإسلام و وصفوه له .. فاستحسن كلامهم و استشار قادته فأخذتهم عزة الفرس و استحقارهم للعرب .. و تكبروا على دين الله و ازدروا بساطة لباس المسلمين و تواضعهم و زهدهم ..
و كان سعد قد أرسل رسولاً ليزدجرد ملك الفرس في المدائن يدعوه للإسلام قبل المعركة ... فأساء للمسلمين و استحقر العرب و أخذته عزة الأكاسرة و تكبرهم وجبروتهم ... فرد عليه المغيرة بن زرارة بأبلـغ رد ... و قال له بأن الإسلام قد أعز العرب و أعلا شأنهم .. و قال له بثقة المؤمن بالنصر :
( فاختر إن شئت الجزية و أنت صاغر .. و إن شئت فالسيف .. أو تسلم فتنجي نفسك ) .. فصعق يزدجرد من رده و أمر بإهانة المسلمين و إخراجهم و لم يمنعه من قتلهم إلا عادة عدم قتل الرسل .. و أمر أشرفهم أن يحمل التراب على رأسه حتى يصل إلى سعد و يخبره بأن الفرس سيدفنون المسلمين في خندق القادسية و ينكلون بهم ..
فلما عاد الرسل استبشر سعد بن أبي وقاص بالنصر و قال :
( أبشروا فقد والله أعطانا الله أقاليد ملكهم ) ..
و في يوم 16 نوفمبر خطب سعد بالمسلمين و حثهم على الجهاد و تلا قول الله : ( و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) .. ثم كبر أربع تكبيرات و بدأ الهجوم و التحم المسلمون بالعـدو و هو في أعداد كالرمل .. و قد جلب معه الفيلة التي أفزعت خيـول المسلمين ... و اشتد القتال و حمي الوطيس ... و استدام القتال أياماً بلياليها .. و أفنى المسلمون ألافاً من جيش الفرس .. و استشهد منهم ألاف ..
و بـرز في ساح الوغى أبطال الإسلام و صناديده أمثال القعقاع بن عمرو التميمي و عمـرو بن معد يكرب و عاصم بن عمرو ... و انقض القعقاع مع ثلة من أبطال المسلمين إلى الفيلة التي أنهكت جيش المسلمين في القتال فطاعنوها و قتلوا منها و هاجت البقية بعيداً عن ساح القتال ..
حتى كان يوم القادسية فهبت ريح شديدة اقتلعت خيام الفرس ثم حمل المسلمون عليهم حملة رجل واحد فأبادوا أمة منهم .. و هرب رستم قائد الفرس و رمى نفسه في النهر فانقض عليه هلال التميمي فاحتز عنقه و صاح بالمسلمين : قتلت رستم و رب الكعبة !! إلي إلي ... و قتل المسلمون القادة بهمان و الجالينوس ... ثم شد المسلمون بخيلهم يتتبعون فلول الفرس و مزقوهم في الأمصار و على أنهار العراق ... و منّ الله على المسلمين بأعظم نصـر ... و كان الفاروق رصي الله عنه يقف على أبواب المدينة و يترقب المسافرين العائدين من جهة العراق ... يتلهف لسماع ما حل بالمسلمين ... إلى أن جاء رجل من جهة العراق فأخذ عمر يمشي بجانب راحلته و يسأله بالله أن يخبره إن كان يعرف خبراً .. فأخبره بأن الله قد فتح على المسلمين و نصرهم على الفرس فتهلل وجهه .... و ما هي إلى شهور حتى حتى اقتحم المسلمون عاصمة ملك الأكاسرة .. المدائن ... و دخلوها مكبرين ... و دخلوا قصـر كسـرى و إيوانه ... و غنمـوا كنوزه كلها و تحقق ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم في أمر الفرس و الأكاسرة و دعائه عليهم ... و حملت الغنائم إلى المدينة المنورة لا ينقص منها درهم أو دينار واحد حتى تعجب الفاروق من عظيم أمانة المسلمين على ما كان منهم من فقر العيش و قال :
(( إن قوماً أدوا هذا لأمناء )) ... و كان في حضرته علي رضي الله عنه فقال: (( يا أمير المؤمنين : أعجبت من أمانتهم .. لقد عففت فعفوا .. و لو رتعت لرتعوا )) ..

0 التعليقات